الحمد لله القائل:
وَمِن آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزوَاجاً لِّتَسْكُنُواْ إِلَيهَا وَجَعَلَ بَينَكُم مَّوَدَّةً وَرَحُمَةً [الروم:21]، والصلاة والسلام على من كان خُلُقه القرآن، وعلى آله وصحبه إلى يوم المعاد، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد:
فإن ال
زواج رباط مقدس وميثاق غليظ، تسوق إليه الفطر القويمة وتدعو إليه الشرائع الحكيمة وما زالت نفوس البشر تنساق فيه مع الفطرة وتجيب به داعي الحكمة فبال
زواج تحصل الرحمة والمودة والسكن، وبه يُلمُّ الشعث ويجتمع القلب وتُبتغى الذرية ففضائل ال
زواج متعددة وبركاته متنوعة.
أخي المسلم - أختي المسلمة: ال
زواج حرث للنسل وسكن للنفس ومتاع للحياة وطمأنينة للقلب وإحصان للجوارح فكما أنه نعمة وراحة وسنة فهو أيضاً ستر وصيانة وسبب لحصول الذرية الصالحة التي تنفع الإنسان في الحياة وبعد الممات.. وال
زواج ضرورة ملحة، لا يسع الإنسان الاستغناء عنه إذ أنه نصف الدين، فقد قال رسول الله
:
{ إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف دينه، فليتق الله في النصف الباقي } [رواه أحمد].
وقد حثَّ الإسلام على ال
زواج ورغَّب فيه في أكثر من موضع في الكتاب والسنة، وما ذلك إلا لمكانة ال
زواج في الإسلام، فله فوائده الكثيرة للفرد والمجتمع.. إليك - أخي المسلم - بعضاً من فوائده باختصار:
1 - والزواج سكن للمؤمن: وَمِن آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزوَاجاً لِّتَسْكُنُواْ إِلَيهَا وَجَعَلَ بَينَكُم مَّوَدَّةً وَرَحُمَةً [الروم:21]، ففي هذه الآية إشارة إلى معنى الطمأنينة والأمان، وذلك لا يكون إلا في السكن إلى الزوج، وعلاقة الرجل بالمرأة عن طريق ال
زواج تهدف إلى السكينة والطمأنينة النفسية، ولا تأتي السكينة والطمأنينة إلا بالمودة والرحمة، والمودة والرحمة في حد ذاتها نعمة من الله لا تساويها نعمة.
2 - والزواج متعة الحياة: قال رسول الله
:
{ الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة } [رواه مسلم].
3 - والزواج عصمة من الفساد والفتنة: قال رسول الله
:
{ إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخُلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض } [رواه الترمذي].
4 - والزواج من أهم أسس السعادة: قال رسول الله
:
{ أربع من سعادة المرء: المرأة الصالحة، والمسكن الوسيع، والجار الصالح، والمركب الهنيء } [رواه ابن حبان:1232].
5 - والزواج خير كنوز الدنيا: قال رسول الله
:
{ خير ما يكنزه الرجل المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته } [رواه أحمد].
6 - والزواج من خير خيرات الدنيا والآخرة: قال رسول الله
:
{ أربع من خير خيرات الدنيا والآخرة: لسان ذاكر، وقلب شاكر، وبدن على البلاء صابر، وزوجة صالحة لا تبغيه خوفاً في نفسها ولا ماله، صالحة تعين أحدكم على دينه } [رواه الطبراني].
7 - والزواج أساس الرضى والحياة الطيبة: قال أحد السلف: ( وجدتُ أسعد النَّاس في الدنيا وأقرّهم عيناً وأطيبهم عيشاً، أبقاهم سروراً وأرضاهم بالاً وأثبتهم شباباً من رزقه الله زوجة مسلمة أمينة عفيفة، حسنة لطيفة، نظيفة مطيعة، إن ائتمنها زوجها وجدها أمينة، وإن قتَّر عليها وجدها قانعة، وإن غاب عنها كانت له حافظة، وقد ستر حلمها جهلها، وزين دينها عقلها، فزوجها ناعم وجارها سالم ).
8 - وللزواج فوائد بعد الموت: قال رسول الله
:
{ إذا مات ابن آدم انقطع عمله من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له } [رواه البخاري ومسلم]، ولا يأتي الولد إلا بال
زواج فالولد إحدى ثمار وفوائد ال
زواج.
أخي المسلم أختي المسلمة: إن علينا أن نقوم لله تعالى بشكر هذه النعمة الجليلة ( النكاح )، وألا نتخذ منها وسيلة إلى الوقوع فيما حرَّم الله، فإن ذلك ضد الشكر المطلوب منَّا، وإنه مما يحز بالنفوس ويدمي القلوب، ويفطر الأكباد، ويشغل الخواطر، ويؤنب الضمائر ما أحيطت به نعمة النكاح من أمور ربما صيرتها إلى نقمة وحولتها إلى كارثة بدأً بالخروج إلى الفرح وانتهاءً إلى العودة منه..
وإنَّني أنبه على أمور يتخذها بعض النَّاس ليلة ال
زواج وهي مخالفة للشرع منافية للشكر فمن ذلك:
أولاً: من المنكرات التي تحدث في الأفراح جلوس الزوج مع الزوجة على منصة أمام النساء.
يقول سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: ( من الأمور المنكرة التي استحدثها الناس في هذا الزمان وضع منصة للعروس بين النساء يجلس إليها زوجها بحضرة النساء السافرات المتبرجات، وربما حضر معه غيره من أقاربه وأقاربها من الرجال، ولا يخفى على ذوي الفطرة السليمة والغيرة الدينية ما في هذا العمل من الفساد الكبير وتمكن الرجال الأجانب من مشاهدة النساء الفاتنات المتبرجات وما يترتب على ذلك من العواقب الوخيمة فالواجب منع ذلك والقضاء عليه حسماً لأسباب الفتنة وصيانة للمجتمعات النسائية مما يخالف الشرع المطهر وإني أنصح جميع إخواني المسلمين بأن يتقوا الله ويلتزموا شرعه في كل شيء وأن يحذروا كل ما حرم الله عليهم وأن يبتعدوا عن أسباب الشر والفساد في الأعراس وغيرها التماساً لرضى الله سبحانه وتعالى وتجنباً لأسباب سخطه وعقابه. [كتاب الدعوة: فتاوى سماحة الشيخ ابن باز].
ثانياً: من المنكرات التي تحدث في الأفراح ذهاب المرأة إلى الكوافيرات لتزيل شعر جسمها حتى وصل الحال ببعضهن أن جعلت هؤلاء الكوافيرات ينظرن إلى أماكن في جسمها لا يحل لأحد أن ينظر إليها سوى زوجها.
ثالثاً: من المنكرات التي تحدث في الأفراح الإصرار على أن يكون في حفلات ال
زواج آلات اللهو والطرب وإحضار المطربين والمطربات أو بعض النساء المتخصصات في الضرب على الطبول والدفوف واللاتي يقمن بالغناء بصوت يسمعه الرجال والممتلىء بالكلمات الفاحشة أحياناً، وأغاني المغنين الساقطة والرقص على أنغام الموسيقى برقصات غربية وشرقية، فيا ترى أهكذا يكون إعلان النكاح؟!
إن إعلان النكاح الذي أباحه الله تعالى ليس كما تصوره الكثير، بل هو كما اشتمل على الستر والعفاف من الغناء ما كان نزيهاً وخلا من الألفاظ الفاحشة والعبارات الساقطة، وآلات اللهو الباطلة، مع ضرب الدف المشروع الذي يكون مفتوحاً من جهة واحدة وكان في محيط النساء فقط، بحيث لا يسمع الرجال.
وأما بالنسبة لرقص النساء أمام النساء فقد أفتى العلماء الأجلاء فيه فقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ( الرقص مكروه في الأصل، ولكن إذا كان على الطريقة الغربية أو كان تقليداً للكافرات صار حراماً لقول النبي
:
{ من تشبه بقوم فهو منهم }، مع أنه أحياناً تحصل به الفتنة، قد تكون الراقصة امرأة رشيقة جميلة شابة فتفتن النساء، فحتى إن كانت في وسط النساء حصل من النساء أفعال تدل على أنهن افتتن بها، وما كان سبباً للفتنة فإنه منهي عنه ) [لقاء الباب المفتوح:41].
رابعاً: من المنكرات التي تحدث في الأفراح استعمال التصوير، فكم من المصائب حصلت من جرَّاء هذا التصوير الذي يقع في أيدي أناس من سقط المتاع ثم لك أن تتصور ماذا سيفعل هذا الساقط في هذه الأفلام علماً بأن المرأة في الأعراس تكون في أبها حلَّة، وأجمل زينة، فمن يرضى أن يرى الرجال الأجانب محارمه؟! فكم خرجت من صور وتداولت من أفلام تحمل صور نساء لم يعرف عنهن إلا الستر والعفاف وذلك من جرَّاء التساهل والتهاون من قبل العقلاء بأمر التصوير.
خامساً: ومن منكرات الأفراح التأخر إلى ساعات متأخرة من الليل، الأمر الذي يترتب عليه ترك صلاة الفجر أو تأخيرها عن وقتها المحدد شرعاً وقد نزل القرآن الكريم متوعداً ومتهدداً أولئك بنبرة حادة ولغة جادة لا يفهمها إلا العقلاء فقط:
فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:5،4].
قال مسروق رحمه الله: ( أي: لا يفعلون الصلاة في وقتها المشروع )، إن تأخير الصلاة خطأ فادح، وجناة مخزية بكل المعايير، لا ينفع معها ندم ولا اعتذار عند الوقوف بين الواحد القهار.
سادساً: ومن منكرات الأفراح ما يحدث عند خروج النساء وانصرافهن، فترى ما يتفطر له الأكباد، وترتعد له الفرائص، تخرج المرأة وهي حاسرة ذراعها، مبدية لعينيها أو لابسة لحجابها الشفاف أو تخرج بتلك العباء المطرزة أو المزركشة وقد وضعت تلك العباءة على كتفها ورائحة العطر تفوح بين جنبيها وذلك أمام مرأى ومسمع من الرجال الذين ينتظرون نسائهم عند بوابة القصر.
أخي الزوج الكريم: عند وصول زوجتك إليك في أول ليلة فضع يدك على مقدمة رأسها وقل: ( اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه ) وابدأ يومك معها بصلاة ركعتين تصلي خلفك حتى تطمئن نفسها واجلس معها وتسامر بكلمات تهدأ من روعها.
أيها الزوجان الكريمان: وفي نهاية المطاف أقول لكما كما علَّمنا الحبيب
:
{ بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير }.
وختاماً: أسأل الله أن يجعله
زواجاً إسلامياً سعيداً مباركاً، وحياة زوجية هنيئة، وذرية مؤمنة مسلمة صالحة معطاة، وبداية لإنشاء بيت مسلم يؤسس على طاعة الله عزَّ وجلَّ وحب رسوله الكريم
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.